الذكاء الإصطناعي و محاولة محاكاة طريقة عمل الدماغ البشري بواسطة Artificial neural network
حاول الذكاء الإصطناعي دائما إقتباس مناهج و طرق عمله من الطبيعة و السعي لتجسيدها صناعيا أو على الأقل محاكاة جزء من وظائفها. و أهم شيء في الطبيعة مثير و غامض هو الدماغ البشري الذي تتجلى فيه روعة الخالق سبحانه وتعالى، و سنستعرض في الفقرة الأولى بعض المعلومات الأساسية عن الدماغ و في الفقرة الثانية نتناول بعض المعارف الأساسية عن الشبكات العصبونية الصناعية.
الدماغ هو مركز الجهاز العصبي و المتحكم فيه. و يتكون من فصين (فص أيمن و فص أيسر). و توجد مادتان أساسيتان تشكلان بنية الدماغ و هما المادة الرمادية (grey matter) و المادة البيضاء (white matter ) و يلفهما سائل يحمي الدماغ من الصدمات الخارجية و يدعى (cerebrospinal fluid) (صورة 1) . حيث تشكل المادة الرمادية و التي تشكل القشرة الخارجية للدماغ مجموع الخلاية التي تدرس و تعالج المعلومات الواصلة إلى الدماغ بينما المادة البيضاء تشكل مجموع الروابط العصبية التي تربط ببن مختلف خلايا المادة الرمادية و تنقل بينها المعلومات على شكل شحن كهربائية.
الشبكة العصبية البيولوجية. |
لو تفحصنا خلية عصبية للدماغ (صورة 1) سنجدها تتشكل من مركز (cell body ) فيه يتم معالجة المعلومات التي وصلت إليه عن طريق (dendrites) و التي تشبه مستشعرات تلتقط المعلومات أو عن طريق (axon) و الذي يشبه سلك ناقل للمعلومات بين الخلايا تماما مثل الأسلاك التي نستعملها في الشبكات أو لربط الحواسب حيث يوجد بداخله السلك المسؤول عن نقل الشحنات الكهربائية و هو مغلف بغلاف من الشحم و غيره من المواد (myelin) لحماية المعلومات من التشويش تماما كما نغلف نحن الأسلاك بالبلاستيك و غيره، ثم إن مركز الخلية يشكل بدوره هو أيصا جوابا عن المعلومات الواصلة إليه و يرسله للخلايا المرتبطة معه. و بعد هذا الإتصال بين الخلايا تتشكل المعرفة في الدماغ و يتخد حينها الدماغ قرارات أو ردات فعل أو إستجابات عصبية سواء للعضلات أو لمختلف الحواس. العلم حالية يعرف هذه الهيكلة و طريقة عمل الدماغ لكن كيف تتشكل المعرفة نتيجة لهذا الإتصال بين الخلايا فمازال مجهولا لحد الأن. و نستطيع عن طريق صور الرنين المغناطيسي المختلفة دراسة و معرفة مكونات الدماغ، فمثلا صور (structural MRI) تسمح لنا بدراسة بنية الدماغ و هيكلته و مختلف مكوناته. و صور (Diffusion MRI) تقدم لنا صورة واضحة و معلومات عن المادة البيضاء للدماغ و مختلف الروابط بين خلايا الدماغ العصبية أو مايعرف ب (Tractome). و صور (Functional MRI) تسمح بدراسة و معرفة المناطق المسؤولة في الدماغ عن الوظائف التي نقوم بها، مثلا نلتقط صورة لدماغ شخص يتكلم لنعرف ماهي المناطق المسؤولة عن الكلام في الدماغ. و هذه المعلومة تؤدي بنا إلى القول أن الدماغ مقسم إلى عدة مناطق و كل منطقة أو مجموعة من المناطق تؤدي وظائف محددة و معروفة مثل الرؤية و السمع و الكلام و التفكير و متابعة عمل أجسادنا و مختلف الوظائف الحيوية. كانت هذه بعض المعلومات الأساسية و البسيطة عن الدماغ بصفة عامة و الأن ننتقل إلى الجانب الأخر حيث يحاول الإنسان في مجال الذكاء الإصطناعي تقليد طريقة عمل الدماغ في التعامل مع المعلومات الواصلة إليه و كيفية تشكل المعرفة عن طريق الإتصال بين مختلف الخلايا العصبية.
الشبكات العصبونية الإصطناعية (الصورة 2) هي محاولة تمثيل عمل الدماغ رياضيا و حسابيا، من أجل حل بعض المشاكل المعقدة التي تصادف الباحثين أثناء عملهم أو في حياتنا الواقعية التي تكون فيها على شكل برامج حاسوبية تساعدنا في أعمالنا. و الأن توظف هذه الطريقة في مختلف المجالات الصناعية و الطبية و العسكرية و الإقتصادية... ، بعد ظهور قانون (Hebb' s rule) في سنة 1949 شكل الإنطلاقة الأولية لكيفية إستخدام الشبكات العصبونية الإصطناعية و ينص على أن خليتان عصبيتان مرتبطاتان معا و تفعلان معا في نفس الوقت فإن الرابط الذي بينهما يشتد أكثر، تماما كما نعرفه نحن عن دواتنا حيث نتعلم و نتقن شيئا ما بعد تكراره عدة مراة حيث نعمل على تقوية الروابط العصبية في أدمغتنا بين المناطق المسؤولة عن تنفيد أو تعلم ذلك الأمر. و توالت بعده الأبحاث لتخرج لنا الشبكات العصبونية الإصطناعية التي نعرفها اليوم (صورة 2) .
الشبكة العصبية الاصطناعية. |
الشبكات العصبونية الإصطناعية تحاكي عمل الدماغ بأن تمثله بشكل شبكة من الخلية ترتبط فيما بينها بمجموعة من الروابط التمثيلية. تبدأ هذه الشبكة بطبقة من الخلايا تسمى طبقة إدخال المعلومات (input layer). المعلومات المدخلة تكون في العادة على شكل قيم تمثل الخصائص المميزة للشيء الذي نريد دراسته، مثلا في حالة التعرف على الأشياء و لتكن مثلا الخضروات فتكون الخصائص المميزة عن اللون و الشكل الخارجي و الوزن (هذا المثال تقريبي لتبسيط الفهم فقط و لكن توجد طرق رياضية في مجال الذكاء الإصطناعي تهتم بهذا الجانب). و باقي الطبقات الداخلية (hidden layer) دورها معالجة المعلومات التي وصلت من طبقة الإدخال و إرسال النتائج إلى طبقة النتائج النهائية (output layer). حيث كل خلية تمثيلية في الشبكة العصبونية الإصطناعية تمتلك دالة خاصة بها بحيث تقوم بواسطتها بإنتاج إجابة عن المعلومات الواصلة إليها من الطبقة الأعلى مثل مايقوم به مركز الخلية العصبونية في أدمغتنا (هذه الدوال معروفة و محدد شكلها في طرق الذكاء الإصطناعي يكفي فقط إختيار واحدة و إستعملها و هي أيضا مستوحاة من طريقة عمل الدماغ ). ثم إنه توجد روابط بين الخلايا (Wij) (الصورة 2) و عن طريق خوارزميات التعلم (machine learning ) سنعمل على تغير هذه القيم لأنها المسؤولة عن منح الأهمية للمعلومة المارة بها. فالمعلومة الناتجة عن خلية ما نقوم بعملية جداء بين قيمتها و قيمة (Wij) قبل أن تكون كمعلومة إدخال في الخلية التي بعدها. و منه و بحسب القانون الذي شرحناه سابقا فإنه كلما كان الإتصال بين خليتين مفيد و يعطي نتائج جيدة فإن قيمة (Wij) تضاف إليها قيمة موجبة حتى نعطي أهمية أكبر للمعلومة المارة من خلال هذا الرابط و العكس في حالة لم يكن هذا الرابط مفيدا. طريقة التعليم تكون بوجود نمادج جاهزة للتعليم أي نعرف النتائج التي يجب أن تكون في طبقة النتائج النهائية (output layer ) حيث نأخد نمودج للتعليم و نقوم بإدخال خصائصه عن طريق (input layer ) و نستمر في تغير قيم الروابط (Wij) حتى نحصل على النتائج التي نريدها و هكذا مع النمادج الأخرى بحيث تكون الشبكة العصبونية الإصطناعية متوافقة مع جميع نمادج التعليم على شكل نمودج معادلة رياضية كلما قدمنا إليها نمودج نحصل على إجابة محددة. ثم نخضع الشبكة لمرحلة إختبار عن طريق نمادج أخرى لم تشارك في عملية التعليم و تكون معلومة النتائج النهائية لنا حتى نعرف و نقيم أداء الشبكة العصبونية الإصطناعية قبل إستعملها بشكل نهائي و قبول نتائجها مع نمادج أخرى من نفس المجال.
كانت هذه المعلومات أولية و بسيطة و لكنها مناسبة للمختصين و غير المختصين في فهمها و أخد نظرة عامة عن هذا الموضوع، فمن يريد أن يتوسع ما عليه إلا البحث على الأنثرنث فكثير من المعلومات متوفرة في هذا المجال.
هشام فلواط - hichem felouat
Comments
Post a Comment